http://1.bp.blogspot.com/-NX2drNKCdYQ/VOD1MXKcmgI/AAAAAAAAAS0/QjGS2GlXNEA/s1600/Fotor0215203239.jpg

  • جديد المجلة

    الثلاثاء، 17 فبراير 2015

    المجاهد المنفي الذي تأجل استشهاده إلى ما بعد الاستقلال



    الرئيس "محمد بوضياف" أو "سي الطيب الوطني"

    إن التاريخ سوف يبقى واقفا متأملا، في الكثير من رجالات الثورة الجزائرية، وسوف يكتب على صفحات مذكراته بأقلام من النور بطولات هؤلاء، لأنهم وبحق كانوا بمثابة نقطة انكسار حملت في طياتها رياح التغيير، التي مهدت لإضافة مفاهيم عدة في قاموس الأفكار التحررية، وكان "سي الطيب الوطني" مهندسا بارعا في بناء صرح الحرية التي سقيت بدماء نقية من كل الشوائب، ويكتب التاريخ أن هذا الأخير وبالرغم من نضاله وكفاحه، إلا أنه كان قاب قوسين أو أدنى من الإعدام، في جزائر مستقلة من طرف أصدقاء الأمس في ساحة الكفاح، وسوف يبقى القدر شاهدا على أن فرنسا عجزت عن ردعه، غير أن أبناء جلدته غدروا به وهو يحمل في صدره مشروع إنقاذ الجزائر.
     هو أحد آباء الثورة الجزائرية، ومن بين الذين كان لهم الفضل بعد فضل الله في بزوغ نور الحرية في الجزائر، بدأ العمل الثوري مند الثلاثينات في حزب الشعب، حتى أصبح أحد رواد وأعضاء المنظمة السرية العسكرية سنة 1947م والتي كانت تخطط لتأسيس قاعدة خلفية صلبة تكون في المستقبل القريب رحما لاندلاع الثورة التحريرية ضد المستعمر الفرنسي، ولما حان الوقت لهذه الثورة  أصبح "محمد بوضياف" أحد الأعضاء المؤسسين لجماعة 22 الثورية للوحدة والعمل، ومن بعدها عضوا في اللجان الست التي فجرت ثورة التحرير الجزائرية. إن توليه هذه المناصب يوحي بحق أن "سي الطيب الوطني" كان مند السنوات الأولى التي احتلت فرنسا الجزائر يحمل عبء الوطن المغتصب، لذا سعى مبكرا ليكون أحد رواد الدفاع والذود عن شرف الأمة الجزائرية المظلومة، ومن الداعين إلى فكرة التحرر من جبروت الاستعمار ليس في الجزائر فحسب، بل في كل الأوطان المستعمرة، مؤمنا بفكرة حق الشعوب في تقرير مصيرها، وبالفعل استطاع إلى جانب زمرة من الوطنيين المخلصين إطلاق أول رصاصة في سماء الجزائر المستعمرة كإشارة لانتهاء سنوات الجمر والاضطهاد التي عانى منه الشعب الجزائري في تلك الفترة.
    عند اندلاع الثورة التحريرية اتسمت بتعدد في التفكير والنظرة إلى العمل الثوري في هذه المرحلة بالذات، حيث رأى الكثير أن قرار إعلان الثورة ضد فرنسا كان متسرعا وهذا لقلة العدة والعتاد، وفيهم من كان يدعو إلى الإدماج مع فرنسا، فكان من الواجب ظهور قائد يلم هذا الشمل في التفكير وتوحيد النظرة، وهنا ظهر "محمد بوضياف" الرجل الحازم والشخص الفذ في اتخاذ القرارات، حيث فصل في هذا النزاع لصالح العمل الثوري الذي رآه ضرورة ملحة لصالح الجزائر وللشعب، وهو الموقف الذي حسب له كشخص ثوري مؤمن بالقضية العادلة ونبذ الاستعمار بكل أشكاله، بالرغم من كل الظروف والفروقات التي ميزت تلك الفترة بين أبناء الوطن الواحد.
      ولعل من الأحداث التي ميزت العمل النضالي لـ"محمد بوضياف" هي قضية خطف الطائرة التي كانت تقله رفقة "أحمد بن بلة" و"محمد خيضر" التي كانت تتجه الى تونس من أجل  نقاش مسألة الثورة الجزائرية في 22 اكتوبر 1956، وقبعوا في السجن يتتبعون القضية الجزائرية من خلف القضبان من دون عمل سياسي أو ثوري إلا بعض الاتصالات مع قواد الثورة في تلك الفترة.
     إن الاختلافات في التوجهات والرؤى الذي كانت قبل الثورة مدت ظلالها حتى إلى ما بعد الاستقلال، ما أدى إلى التمزق بين العديد من الأطراف، وهو الحال الذي لم يرض محمد بوضياف المشاركة فيه، لأنه آمن بجزائر أمنة مطمئنة بعدما استرجعت حريتها، فلم يعجبه المسار الذي اتخذته الكثير من الشخصيات في جزائر مستقلة، التي كانت ترجح الأنا على التشاور في العديد من الأمور الحساسة التي كانت تخص الجزائر، خاصة وأنها فتية في استقلالها، وقد دفع ضريبة خصامه هذا مع من كانت لهم آراء ونظرة  مختلفة عنه، ومن غرائب الصدف أنه قضى أيام سجنه في دهاليز فرنسا رفقة  احمد بن بلة، هذا الأخير وبعد الاستقلال رأى  أن صحبته لا تؤتمن خاصة في ظل التصادم في التفكير والتوجه، فأمر باعتقاله وحكم عليه بالإعدام، لأنه على حد قوله يهدد أمن الدولة الجزائرية ونحن لسنا في حاجة إلى هذا بعد سبع سنوات من الخوف والاضطهاد، ولم يشفع له إلا تاريخه النضالي إبان الثورة، وبعد تدخل العديد من الأطراف أفرج عنه فاختار المنفى الإرادي على خلق بلبلة في وطن دفع النفس والنفيس من أجل الحصول على الاستقرار والسلام، وهي من ردود الفعل الإيجابية التي اتصف بها "محمد بوضياف" حين يتعلق الأمر بأمن الجزائر فكان يقدمها دائما على المصلحة الشخصية.
    استقر في باريس بشكل مؤقت، ثم انتقل الى المغرب واستقر في مدينة القنيطرة وأسس مصنعا للآجر وحقق ثروة لنفسه بعيدا عن ما كان يحدث في الجزائر التي وصلت الى انزلاق خطير بدءا من  سنة 1988م، وبالرغم من كل محاولات "هواري بومدين" رحمه الله ليدخل إلى الجزائر إلا أن اختياره كان اقتناعا وليس ردة فعل زائلة تزول بزوال مسببها، وبقي في المنفى لمدة 28 سنة حتى دعاه الواجب الوطني مرة أخرى، لكن في ظروف مختلفة هذه المرة، فبالأمس في مجابهة المستعمر الفرنسي، أما اليوم في مواجهة ابناء جلدته، وقد بدت الحرية والسلام يتلاشيان في تصاعد المد الدموي في تلك الفترة.
    "لم يقتله رصاص جزائر مستعمرة قتلته رصاصة جزائر مستقلة"
      عاد محمد بوضياف في الوقت الذي كانت الجزائر تشتعل وتلتهب بين أولاد الأم الواحدة، وهي الغيرة التي حملته للعودة إلى الوطن حاملا معه مشروع "انقاذ الجزائر" والتي عبر عليها في الكثير من المناسبات، وأنه هنا من أجل اقتلاع الفساد من جذوره والمحاسبة وهي الكلمة التي وقعت على آذان الكثير من التكتلات على أساس أنها تهديد لهم، بل ووقع في صدام مع الجبهة الاسلامية للإنقاذ في ظل رفض الرجوع الى المسار الانتحابي.
    لقد ورث "محمد بوضياف" حطاما سياسيا وانزلاقا دمويا لا يمكن التحكم فيه إلا بعصا موسى أو خاتم سليمان، وبالرغم هذا، فقد آمن ببزوغ الشمس في جزائر مستقلة وحرة، لكن للأسف لم يرها، فقد كان القدر أسبق في طلوع روحه إلى بارئها.
    إن المتتبع لكل خطبه قبل الاغتيال يدرك أن "بوضياف" كان تهديدا للكثير من التوجهات، حتى أصبح يغرد خارج السرب، لأن المشروع الذي كان يحمله لا يعنيهم، وأن المصالحة الشاملة والمسار الديمقراطي الذي لطالما كان ينادي به حذف فصله من قاموس الجزائر بعد الاستقلال، وهو في المنفى لا يدرك هذا، وقد ألف كتاب "الجزائر الى أين؟" تاركا وراءه هذا السؤال الذي يبقى أمانة في أعناق الكثير منا وهو كتاب يوحي بالنظرة البعيدة  للوضع الذي رسمه "سي الطيب" وهو الوضع نفسه الذي اغتاله.
    محمد بوضياف "1919 بالمسيلة -1992 بعنابة"
    "المقولة الخالدة التي عجلت باغتياله"
    "جئتكم اليوم لإنقاذكم وإنقاذ الجزائر وأستعد بكل ما أوتيت من قوة وصلاحية أن ألغي الفساد وأحارب الرشوة والمحسوبية وأهلها وأحقق العدالة الاجتماعية من خلال مساعدتكم ومساندتكم التي هي سرّ وجودي بينكم اليوم وغايتي التي تمنيّتها دائما"
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك

    0 التعليقات:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: المجاهد المنفي الذي تأجل استشهاده إلى ما بعد الاستقلال Rating: 5 Reviewed By: الأدمن : طارق عقون ← تابعني على فيسبوك
    Scroll to Top